Saturday, June 16, 2012

في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة أمر المعز بحفر الآبار في طريق مصر، وأن يبنى له في كل منزلة قص


روى المقريزى قال

في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة أمر المعز بحفر الآبار في طريق مصر، وأن يبنى له في كل منزلة قصر، ففعل ذلك.

وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من جمادى الآخرة من السنة وردت النجب من مصر بموت كافور الأخشيدي يوم الأربعاء لعشر بقين من جمادى الأولى.

واستدعى المعز يوما أبا جعفر بن حسين بن مهذب صاحب بيت المال وهو بالمغرب، فوجده في وسط القصر جالسا على صندوق، وبين يديه ألوف صناديق مبددة في صحن القصر، فقال له: هذه صناديق مال، وقد شذ عني ترتيبها، فانظرها ورتبها.

قال: فأخذت أجمعها إلى أن صارت مرتبة، وبين يدي جماعة من خدام بيت المال والفراشين، وأنفذت إليه أعلمه، فأمر برفعها في الخزائن على ترتيبها، وأن يغلق عليها، وتختم بخاتمه، وقال: قد خرجت عن خاتمنا وصارت إليك ففعل.

وكانت جملتها أربعة وعشرين ألف ألف دينار، وذلك في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، فأنفقها أجمع على العساكر التي سيرها إلى مصر في سنتي ثمان وتسع وخمسين مع القائد جوهر.

وكان رحيله في رابع عشر ربيع الأول منها، ومعه ألف حمل مال، ومن السلاح والخيل والعدد ما لا يوصف، فقدم جوهر إلى مصر، ووصلت البشارة بفتحها في نصف رمضان سنة ثمان وخمسين، فسر المعز سرورا كثيراً وأنشده ابن هانىء قصيدة أولها:

يقول بنو العباس: هل فتحت مصر ؟ ... فقل لبني العباس: قد قضي الأمر

ولما وصلت البشارة من الشام بكسر عسكر أبي عبد الله الحسن بن أحمد القرمطي المعروف بالأعصم أنشده ابن هانىء قصيدة منها:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار، ... فاحكم فأنت الواحد القّهار

وأنشد أيضاً أخرى أولها:

وعلى أمير المؤمنين مظلّةٌ ... زاحمت تحت لوائها جبريلا

وفي سنتي ستين وإحدى وستين قال: ولقد وصلنا إلى برقة ومعنا خمسون ألف دينار.

ولما أنفذ جوهر إلى مصر، وبرز يريد المسير إلى مصر، بعث المعز خفيفاً الصقلبي صاحب الستر إلى شيوخ كتامة، يقول: يا إخواننا: قد رأينا أن ننفذ رجالا من بلدان كتامة، يقيمون بينهم، ويأخذون صدقاتهم ومراعيهم، ويحفظونها علينا في بلادهم، فإذا احتجنا إليها أنفذنا خلفها فاستعنا بها على ما نحن بسبيله.

فقال بعض شيوخهم لخفيف وقد بلغهم ذلك : قل لمولانا: والله لا فعلنا هذا أبدا. كيف تؤدي كتامة الجزية، ويصير عليها في الديوان ضريبة؟؟ وقد أعزها الله قديما بالإسلام، وحديثا معكم بالإيمان، وسيوفنا بطاعتكم في المشرق والمغرب ؟.

فعاد خفيف بذلك إلى المعز، فأمر بإحضار جماعة كتامة، فدخلوا عليه وهو راكب فرسه، فقال: ما هذا الجواب الذي صدر عنكم ؟.

فقالوا: نعم هو جواب جماعتنا، ما كنا يا مولانا بالذي يؤدي جزية تبقى علينا.

فقام المعز في ركابه، وقال: بارك الله فيكم، فهكذا أريد أن تكونوا، وإنما أردت أن أجربكم، فانظروا كيف أنتم بعدى إذا سرنا عنكم إلى مصر، هل تقبلون هذا أو تفعلونه وتدخلون تحته ممن يرومه منكم ؟ والآن سررتموني بارك الله فيكم.

وكتب إلى جوهر وهو بمصر من الغرب:

وأما ما ذكرت يا جوهر من أن جماعة من بني حمدان وصلت إليك كتبهم، يبذلون الطاعة، ويعدون بالمسارعة في المسير إليك، فاسمع لما أذكره لك: احذر أن تبتدىء أحدا من بني حمدان بمكاتبة ترهيبا له ولا ترغيبا ، ومن كتب إليك منهم فأجبه بالحسن الجميل، ولا تستدعه إليك؛ ومن ورد إليك منهم فأحسن إليه، ولا تمكن أحدا منهم من قيادة جيش ولا ملك طرف، فبنو حمدان يتظاهرون بثلاثة أشياء، عليها مدار العالم، وليس لهم فيها نصيب: يتظاهرون بالدين، وليس لهم فيه نصيب؛ ويتظاهرون بالكرم وليس لواحد منهم كرم في الله؛ ويتظاهرون بالشجاعة، وشجاعتهم للدنيا لا للآخرة؛ فاحذر كل الحذر من الاستنامة إلى أحد منهم 

المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى 

No comments:

Post a Comment